لم يسمع المسلمون بمصطلح (الدولة المدنيّة) كونه مصطلحاً حادثاً، يعبّر عن أوفق ما وصلت إليه التجربة الإنسانية التراكمية، من الأدبيات القانونية اللازمة لتحديد العلاقة بين الحاكم وشعبه، وضبط التوازنات بين السلطات، ولم يكن للبيعة النبوية بُعد سياسي، فالبيعة للمصطفى عليه الصلاة والسلام بيعة عقدية، شرعية وأخلاقية، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، علماً بأن وثيقة المدينة للتعايش، ومجمل المواقف الإنسانية للنبي عليه الصلاة والسلام تفوق كل المدنيات الطارفة والتليدة.
ولعل أول ما يثير التساؤلات عند دراسة واقع المسلمين منذ عصر النبوة، ما الذي تضمنه النص الدِّيني (القرآن الكريم) من تصريح شخص الحاكم وصفاته ومؤهلاته ومنطلقات عمله، إذ كان القرآن يتنزّل على واقع اجتماعي يحتكم إلى الأعراف المتوارثة، وإلى نظام قَبَلي تقليدي أصلاً؛ وتقدمي استثناء، ومرجعية القرار للقوة، فالكلمة الفصل لصاحب المال والجاه، وأحياناً يتقاسم الكهّان والمنجمون مع النخبة شيئاً من السُّلطة، ولم يكن أفراد المجتمع لا دينيين، أو جاهليين كما يذهب البعض، بل أغلبهم يدين بشيء من مأثور اليهود والنصارى.
وبتتبع أوّل الآيات والسور نزولاً، يظهر بجلاء أن طريقة إدارة المجتمع لم تكن أولوية الإرادة الربانية، ولذا لم تتضمن آيات الذكر الحكيم بناءً شكلياً للسُّلطة ولا آلية لنظام الحكم، ما يرسم المسافة الطويلة بين نزول القرآن الكريم وختمه بوفاة النبي عليه الصلاة والسلام، وبين الجدل اللاحق بدءاً من اجتماع سقيفة بني ساعدة.
تنقل لنا كتب السير ما وقع في السقيفة، من انقسام الأطياف المترشحة والمُرشحة، واختلافهم على أهلية الاستحقاق استناداً على الأحاديث والتزكيات، لا على الآيات (الأئمة من قريش)، (الناس شعاري والأنصار دثاري)، (مُرُوا أبا بكر فليصلِّ بالناس). ولم يكن مستغرباً استغلال الإسلام الحركي لذات السياقات، والطموح في السلطة، استناداً على ظنّي الأحاديث لا قطعي الآيات، وتأويل الوحي، تأويلاً تعسفياً لتوظيفه لخدمة مشروع الإسلام السياسي (الأممي)، المُتغيي ملء الأرض عدلاً على يد الزُّهاد العُباد الذين لا يريدون إلا الله والدار الآخرة.
ويرى المفكر المصري الدكتور عبدالجواد ياسين في كتابه (السُلطة في الإسلام) أن الواقع السياسي اللاحق أضاف للنص القرآني أبعاداً تأويلية لم تكن له وقت التنزيل، فراحت كل فرقة من فرق الصراع الناجم عن (مسكوت عنه) تُأوّل آيات الكتاب تأويلاً موافقاً لنظريتها السياسية، متجاهلةً حقيقة (السكوت القرآني)، مؤكداً أن القرآن سكت سكوتاً تاماً عن تسمية حاكم، أو التوصية له، كما سكت عن تعيين نظام للحكم أو شكل للحكومة، ما يحيل الفكرة والقضية إلى حركة التاريخ والواقع الإنساني المتغيّر.
ولعل أول ما يثير التساؤلات عند دراسة واقع المسلمين منذ عصر النبوة، ما الذي تضمنه النص الدِّيني (القرآن الكريم) من تصريح شخص الحاكم وصفاته ومؤهلاته ومنطلقات عمله، إذ كان القرآن يتنزّل على واقع اجتماعي يحتكم إلى الأعراف المتوارثة، وإلى نظام قَبَلي تقليدي أصلاً؛ وتقدمي استثناء، ومرجعية القرار للقوة، فالكلمة الفصل لصاحب المال والجاه، وأحياناً يتقاسم الكهّان والمنجمون مع النخبة شيئاً من السُّلطة، ولم يكن أفراد المجتمع لا دينيين، أو جاهليين كما يذهب البعض، بل أغلبهم يدين بشيء من مأثور اليهود والنصارى.
وبتتبع أوّل الآيات والسور نزولاً، يظهر بجلاء أن طريقة إدارة المجتمع لم تكن أولوية الإرادة الربانية، ولذا لم تتضمن آيات الذكر الحكيم بناءً شكلياً للسُّلطة ولا آلية لنظام الحكم، ما يرسم المسافة الطويلة بين نزول القرآن الكريم وختمه بوفاة النبي عليه الصلاة والسلام، وبين الجدل اللاحق بدءاً من اجتماع سقيفة بني ساعدة.
تنقل لنا كتب السير ما وقع في السقيفة، من انقسام الأطياف المترشحة والمُرشحة، واختلافهم على أهلية الاستحقاق استناداً على الأحاديث والتزكيات، لا على الآيات (الأئمة من قريش)، (الناس شعاري والأنصار دثاري)، (مُرُوا أبا بكر فليصلِّ بالناس). ولم يكن مستغرباً استغلال الإسلام الحركي لذات السياقات، والطموح في السلطة، استناداً على ظنّي الأحاديث لا قطعي الآيات، وتأويل الوحي، تأويلاً تعسفياً لتوظيفه لخدمة مشروع الإسلام السياسي (الأممي)، المُتغيي ملء الأرض عدلاً على يد الزُّهاد العُباد الذين لا يريدون إلا الله والدار الآخرة.
ويرى المفكر المصري الدكتور عبدالجواد ياسين في كتابه (السُلطة في الإسلام) أن الواقع السياسي اللاحق أضاف للنص القرآني أبعاداً تأويلية لم تكن له وقت التنزيل، فراحت كل فرقة من فرق الصراع الناجم عن (مسكوت عنه) تُأوّل آيات الكتاب تأويلاً موافقاً لنظريتها السياسية، متجاهلةً حقيقة (السكوت القرآني)، مؤكداً أن القرآن سكت سكوتاً تاماً عن تسمية حاكم، أو التوصية له، كما سكت عن تعيين نظام للحكم أو شكل للحكومة، ما يحيل الفكرة والقضية إلى حركة التاريخ والواقع الإنساني المتغيّر.